اسم الله المُحسن- دكتور محمد راتب النابلسي
الإحسان هو إيصال البر منك إلى غيرك في جمال وإتقان، وفعل الشيء على أكمل ما يمكن، فالإحسان يكون للغير بفعل الخير، لو نظرنا في علاقة الله بعباده لوجدناها علاقة قائمة على التفضل المحض منه سبحانه، والإحسان المتعدد الصور، بدءا من بروزنا من العدم الذي لا نستحقه، والعدل أن تبقى في العدم لأننا لم نقدم شيئا في العدم نستحق عليه هذا البروز إلى عالم الوجود، ولو توقف الإحسان عند هذا الكلام ما كان عليه سبحانه ملام، ولكنه تفضل فيسر أسباب البقاء، وزاد في العطاء، وكان يمكن أن يقول لك: تفضلت عليك وأوجدتك من العدم فاعمل على استمرار بقائك وابحث عمن يرعاك ويتولى هداك، ولكنه سبحانه هيأ لك والديك يخدمانك في صغرك ويعلمانك في صباك، ولو توقف الإحسان عند هذا الكلام ما كان عليه سبحانه ملام، ولكنه بعد أن صورك في أحسن تقويم هداك إلى الطريق القويم، وجعلك من المسلمين، بل ومن أتباع سيد المرسلين، ولو توقف الإحسان عند هذا الكرم ما كان عليه سبحانه ملام، ولكنه زاد في الإنعام فعلمنا القرآن، ومعاني البيان، ووهبنا عقلا نفهم به الكلام، ولم يجعلنا كالأنعام، ولو فعل ماكان عليه ملام، ثم زادنا في الإنعام ألوانا يقصر عنها الكلام، لو جمعنا لها الأقلام وكتّاب الإعلام لم تفي الأوراق من كثرة الكلام الدال على الإنعام، وأعظم نعمة بعد الوجود هي الخلود في رضا المعبود في جنة ليس لها مثل بشهادة الشهود، وهؤلاء الشهود هم عباد المعبود الذين هم موضع وموضوع الإحسان من الله المحسن، وقد أحسن الله إلى كل شيء، وأعظم شيء أحسن إليه بني الإنسان الذين قال فيهم "ولقد كرمنا بني آدم ..." وقال عنهم واصفا خلقهم " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (التين:4)
الإحسان في خَلق الإنسان:
جعل لك عينين، ولولا العينان لما أدركت البعد الثالث، أنت بعين واحدة ترى بعدين سطحيين، لكنك في العين الثانية ترى البعد الثالث، ترى العمق.
وجعل لك أذنين، وبأذن واحدة يصل الصوت إليك، لكن بالأذنين تعرف جهة الصوت.
وفي الشَّعر، جعل لكل شعرة وريدا، وشريانا، وعصبا، وعضلة، وغدة صبغية وغدة دهنية، وليس في الشعر أعصاب حس، من أجل أن تهذب شعرك من دون مستشفى، ولولا أن الشعر خالٍ من أعصاب الحس لاضطر الإنسان إن أراد أن يهذب شعره إلى تخدير شامل في المستشفى .
الله ( محسن )، من أجل أن تفرق بين 8 ملايين لون، ولو درجت اللون الواحد إلى 800 ألف درجة لكشفت العين السليمة الفرق بين الدرجتين: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ?..." (السجدة:7)
كأس الماء لو رأيت ما فيه من بكتريات لما شربته، جعل للبشر عتبة لا ترى أكثر مما ينبغي أن تراه ، ولا تسمع أكثر مما ينبغي أن تسمعه . "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (القمر:49)
لذلك كلمة محسن تعني أنه محسن في خَلقه، محسن في التصميم، محسن في الأجهزة، محسن في الحواس، محسن في قوام الإنسان.
والحسن ضد القبح، وحسن الشيء زينه، يعني.. تصور إنسان بلا جلد منظره لا يحتمل.. تماماً كبيت على الهيكل، أما كسوة البيت، والطلاء، والنوافذ، والأرض، والأثاث. .كل ذلك غير موجود: "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ?..." (السجدة:7)
فشمل إحسانه سبحانه لنا من أصل وجودنا من العدم، إلى دوام هذا الوجود، إلى العناية بنا في فترة هذا الوجود بكل ما يلزمنا بما هو ضروري وتجميلي.