يتضمن هذا الفصل وثائق لشخصيات سياسية لعبت عددا من أهم الأدوار فى تاريخ مصر الحديث، وهم طبقا للترتيب التاريخى: الملك فؤاد الأول، مكرم عبيد باشا، مصطفى النحاس باشا، جمال عبد الناصر، أنور السادات، وأخيرا الدكتور فؤاد محيى الدين، نائب رئيس الوزراء فى عهد السادات، وأول رئيس وزراء فى عهد مبارك.
بالطبع لن نعيد هنا تاريخ حياة كل منهم، ولكننا سنتحدث عن كل منهم فى إطار الوثيقة التى نكشف عنها هنا للمرة الأولى.. هذه الوثائق تؤكد أنه رغم كل ما كتب عن أصحاب الوثائق المنشورة فى هذا الكتاب، وما تمتعوا به من شهرة واسعة، لا يزال هناك الجديد الذى يقال عنهم من خلال وثائقهم ذاتها. وهذه هى الإضافات على ما سبق، لتتكامل الرؤية، ويصدق الرأى.
النحاس باشا
وُلد مصطفى النحاس فى ١٥ يونيو عام ١٨٧٩. شارك فى تأسيس حزب الوفد بزعامة سعد زغلول. وتولى رئاسة مجلس الوزراء عدة مرات منذ ١٩٢٨. رأس الحزب بعد وفاة سعد زغلول. وقد سجنته حكومة ثورة يوليو لعامين هو وزوجته.
لدينا هنا كلمة كتبها النحاس باشا على ورقة للنادى السعدى - نسبة لسعد زغلول - فى ٣ مايو ١٩٤١ عقب استقباله للملك فى زيارته التى قام بها لمدينة سمنود بمحافظة الغربية، وهى مسقط رأس النحاس باشا.
كتب النحاس فى هذه الكلمة:
«لقد شرفت باستقبال جلالة الملك فى رحلته الكريمة بالغربية. وكان سرور الشعب وفرحته برؤية مليكه المحبوب مما يجل عن الوصف. وقد شرَّف جلالته فى رحلته الميمونة بلدة سمنود، فكان لى ولأهلى وعشيرتى وشعب سمنود جميعا شرف الترحيب بجلالته واستقباله والفرحة بقدومه وزيارته. حفظ الله الملك المعظم وجعل أيامه كلها أعيادا سعيدة موفقة وأيام رخاء وسعادة لمصر والمصريين».
من المعروف أن الخلافات بدأت تدب بين الملك والنحاس بعد ذلك، ولم يعد النحاس يكتب فى الملك مثل هذا الكلام إلى أن قامت ثورة يوليو ١٩٥٢ وقضت عليهما معا: طردت الملك ونفته فى إيطاليا، واكتفت بعزل النحاس سياسيا فانزوى حتى مات عام ١٩٦٥.
جمال عبدالناصر
وقّع هذا الخطاب الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر إلى سيدة أمريكية فى ١٧ أكتوبر ١٩٥٧ على عنوانها فى شارع اوشن، بحى بروكلين فى مدينة نيويورك الأمريكية. الخطاب بالإنجليزية موجه إلى السيدة أى. إم. كاتان. ويبدو أنها صحفية أمريكية، كتبت مقترحة حدوث لقاء شخصى بين عبد الناصر والرئيس الأمريكى «دوايت أيزنهاور».
كما يبدو أن صحفا أمريكية كتبت فى ذات الاتجاه. لذا يشكرها عبدالناصر فى الخطاب بإخلاص على اهتمامها بمصر ومجريات الأحداث فيها. ويعرب عن رغبته فى لقاء شخصى مع الرئيس الأمريكى أيزنهاور لولا أنه كان على الأخير أن يبدأ خطوات برلمانية لتحقيق مثل هذا اللقاء، فى الوقت الذى لا يستطيع عبدالناصر أن يلح عليه.
وفى الختام يقول جمال إنه يشكر «مجددا للصحافة الأمريكية التأكيد على أهمية مثل هذا اللقاء». ويوقع الخطاب بالإنجليزية بصفته «رئيس جمهورية مصر». وكان عبدالناصر قد انتخب رئيسا للجمهورية فى استفتاء شعبى فى ٢٤ يونيو ١٩٥٦.
من المعروف أن العلاقة بين «الجنرال والكولونيل» - كما أطلق عليها الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل - أى بين ايزنهاور وعبدالناصر - كانت بين شد وجذب فى تلك الفترة، وتحديدا منذ رفض جمال عبدالناصر طلب أيزنهاور بتخفيف حكمى الإعدام اللذين أصدرتهما محكمة مصرية عسكرية على جاسوسين إسرائيليين شاركا فى عمليات إرهابية فى مصر فى منتصف عام ١٩٥٤، واشتهرت فيما بعد باسم «فضيحة لافون».
ويمكن العودة إلى الوثائق الأمريكية المفرج عنها، وبعض كتب محمد حسنين هيكل، وغيرها من المصادر لمعرفة تفاصيل العلاقة بين عبدالناصر وأيزنهاور.
أنور السادات
هذه وثيقة مهمة عبارة عن نموذج ضمانة موقع من «البكباشى أنور السادات» باللون الأحمر فى ٢٣ فبراير ١٩٥٤. يتعهد فيه «شخصيا بوجه التضامن لوزارة الداخلية بمبلغ مائة وخمسين جنيها قيمة التأمين المقرر فى المادة ١٥ من قانون المطبوعات الصادر فى ٢٧ فبراير ١٩٣٦. وذلك لأجل إصدار جريدة اسمها (إجبشيان ريبابلك) باللغة الإنجليزية، بناء على طلب دار التحرير للطبع والنشر بنشرها فى مصر.
ويتعهد الموقع عليه بوجه خاص بأن يدفع لخزينة وزارة الداخلية قيمة الغرامات والمصاريف التى قد يحكم بها على رئيس التحرير أو المحررين المسؤولين أو صاحب الجريدة أو الناشر أو الطابع، تطبيقا لأحكام قانون المطبوعات المشار إليه أو تطبيقا لأحكام الباب الرابع عشر من الكتاب الثانى أو الباب السابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات الأهلى، وذلك من جراء نشر جريدة إجبشيان ريبابلك».
أنور السادات لم يوقع تحت خانة الضامن فى هذه الضمانة، فلقد كان يلزم توقيع الضامن أمام المحكمة.
ولا نعرف هل وقع ضامن بالفعل؟ وما اسمه؟ وإذا لم يكن هناك ضامن قد وقع أمام المحكمة تكون إجراءات إصدار الجريدة غير قانونية. السادات وقع بخط يده تحت خانة صاحب الجريدة، فلقد كان آنذاك رئيسا لمجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر، ورئيسا لتحرير جريدة الجمهورية، التى تصدر عنها وحتى الآن.
وقد أنشأتهما حكومة الثورة كأول مؤسسة صحفية تعبر عن أفكارها وتوضح سياستها وتدافع عن مشروعاتها. واختارت أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة لرئاستها وهو أنور السادات. كان المقصود من إصدار هذه الجريدة هو تحقيق الأهداف ذاتها بين الأجانب قراء اللغة الإنجليزية فى مصر.
يبدو أنه لم يكن مقررا أن تصدر هذه الجريدة إنجليزية اللغة يومية، لأن قيمة ضمانة الصحف اليومية أو التى تصدر ثلاث مرات فى الأسبوع كانت ٣٠٠ جنيه وليست ١٥٠ جنيها. على كل حال تغير اسمها إلى «إجبشيان جازيت» ولكن بشكل يومى، وما زالت تصدر بالإنجليزية عن دار التحرير حتى اليوم.
فؤاد محى الدين
ولد الدكتور أحمد فؤاد محيى الدين الشهير بـ«فؤاد محيى الدين» فى ١٦ نوفمبر ١٩٢٦. وربما سماه والده الاسم الأول المركب «أحمد فؤاد» تيمنا بملك مصر وقتها، الذى عين حاكما للبلاد باسم السلطان أحمد فؤاد قبل أن يتحول اللقب إلى الملك فؤاد الأول. كان الدكتور فؤاد عندما كتب الخطاب المنشور هنا شابا فى مقتبل حياته.
أنهى عمله كنائب بمستشفى قصر العينى وعين مساعد مدرس، وتخصص فى الأشعة. انتدب للعمل فى المكتب الفنى لوزير الصحة عندما أرسل هذا الخطاب إلى صديقه الذى خاطبه باسم التدليل «أبو السباع».
وكان أبو السباع هذا مقيما فى برلين بألمانيا. الخطاب مؤرخ فى ٢٥/١٠/١٩٥٢، أى بعد ثلاثة أشهر من ثورة يوليو، التى قام بها ضباط من الجيش من خلال تنظيم «الضباط الأحرار» بقيادة جمال عبد الناصر.
نص الخطاب مع ملاحظة أن ما به من علامات تعجب خطها فؤاد محيى الدين:
فؤاد محيى الدين
٢٥/١٠/١٩٥٢
نلاحظ فى الخطاب السابق ما يلى:
أن الدكتور فؤاد محيى الدين يصف ثورة الجيش بـ «الانقلاب».
يتحدث عن مشاركته فى تأليف «لجنة وطنية» يبدو أن حكومة الثورة حلتها ومنعت اجتماعاتها بعد عقدها اجتماعين فقط. فما هى هذه اللجنة؟ وماذا كانت أهدافها؟ ومن كان أعضاؤها مع الدكتور فؤاد محيى الدين؟؟
يبدو أنه كان مناوئا للثورة فى بدايتها التى وصفها بأنها تتجه إلى حكم عسكرى سافر. وهذا مفهوم بالنظر إلى خلفية الدكتور فؤاد محيى الدين العائلية. فهو من أسرة من أغنياء الريف من كفر شكر بمحافظة القليوبية. ويدل الخطاب نفسه على ثراء الدكتور فؤاد عندما يذكر شراءه سيارة فاخرة ماركة فانى هول.
لكن المدهش أن اثنين من أبناء عمومته كانا من قادة هذه الثورة وهما: خالد وزكريا محيى الدين ! والتعبير عن الدهشة هذا ليس منى فقط، بل هو نفسه استخدمه عند الإشارة إلى مشاركتهما فى قيادة الثورة !
إنه يعتبر قبول حزب الوفد القديم ورئيسه مصطفى النحاس لقانون الأحزاب الذى أصدرته الثورة خطأ «وبداية المأساة». كما يكشف عن عزمه الانضمام لحزب الوفد، لكنه أجل ذلك بسبب قيام الثورة و«إلى أن ينجلى الموقف».
هذه البدايات الفكرية السياسية اليسارية للدكتور فؤاد محيى الدين الشاب تختلف تماما عن مسيرته بعد ذلك. فقد بدأ العمل السياسى وهو طالب فى المدرسة الثانوية، واستمر فى سنوات دراسته فى كلية الطب، وشارك فى لجان العمال والطلبة. وعلى الرغم من معارضته لثورة يوليو الواضحة من هذا الخطاب، إلا أنه التحق بالعمل فى مؤسساتها بعد ذلك حتى تقلد العديد من المناصب الرفيعة، فعين محافظا للشرقية، والإسكندرية، ثم الجيزة.
كما تقلد منصب وزير الصحة ووزير شؤون مجلس الشعب، حتى عينه الرئيس السابق أنور السادات عام ١٩٧٨نائبا لرئيس مجلس الوزراء. وكان السادات أحد الضباط الثلاثة عشر الذى يبدو أن الدكتور فؤاد محيى الدين قد استغرب قيادتهم لمصر بعد ثورة يوليو فى خطابه هنا. وفى بداية عهد الرئيس حسنى مبارك عين رئيسا للوزراء حتى توفى بأزمة قلبية مفاجئة فى مكتبه فى ٥ يونيو ١٩٨٤.
وصف الرئيس حسنى مبارك الدكتور فؤاد محيى الدين عندما كان رئيسا للوزراء بأنه «يعمل ليل نهار ولا غبار حوله على الإطلاق» وذلك من حديث الرئيس مبارك إلى مجلة التضامن التى كانت تصدر باللغة العربية فى لندن عدد ٤ نوفمبر ١٩٨٣. كما اعتبره الرئيس واحدا من أفضل ثلاثة وزراء عملوا معه كما قال فى حديثه إلى جريدة روزاليوسف عدد ٣٠ أغسطس ٢٠٠٦[/center]